عنوان المقالة : خلفية نظرية مقترحة للبحث التربوى في تعليم الرياضيات
اسم المؤلف : أ.د./ فايز مراد مينا
جهة النشر : المؤتمر العلمي السنوي الثانى للجمعية البحث فى تربويات الرياضيات (4-5) أغسطس 2002 - دار الضيافة جامعة عين شمس ، ص.ص.15-22
العمل : أستاذ تعليم الرياضيات - كلية التربية جامعة عين شمس
تاريخ التسجيل : 3/2/2004
خلفية نظرية مقترحة للبحث التربوى
في تعليم الرياضيات
د. فايز مراد مينا
أستاذ تعليم الرياضيات بكلية التربية جامعة عين شمس
مقدمة :
يعد البحث التربوى فى تعليم الرياضيات جزءاً من النسق الخاص بهذا المجال ، إذ يفترض أن يتخذه المعلمون والمسئولون أساساً لاتخاذ القرار علي جميع المستويات . وبطبيعة الحال فإن البحث التربوي فى مجال ما يتأثر بمجموعة من القواعد والمسلمات والنظريات والقيم ... الخ. ، التى تحكم وتحدد إطار هذا المجال فى لحظة تاريخية معينة ، مما يطلق عليه عادة الإنموذج الأساسي Paradigm (انظر : Pinar et al .p.12) . ومن ثم ، فإن آى خلفية نظرية للبحث التربوي في الرياضيات يجب أن تنطلق من دراسة التحول فى الأنموزجات الأساسية لكل من الرياضيات وتعليم الرياضيات .
ويمكن تلخيص التحول فى الأنموذج الأساسي للرياضيات من اعتبارها دراسة لنظم شكلية إلي النظر إليها كجسم حى (انظر :Oremell ,Rogerson p.611) .
ولقد انعكس هذا علي تحول الإنموذج الأساسى فى برامج تعليم الرياضيات فى المرحلة الابتدائية من النظر إليها على كونها مجموعة كبيرة من المفاهيم والمهارات التى يجب إتقانها بترتيب معين صارم إلى أشياء يمارسها الناس (Romberg, p.3655) ، وفى تحول برامج تعليم الرياضيات فى المرحلة الثانوية من كونها تدرس المنطق الشكلي إلى نشاط إنسانى (من أجل إعداد المتعلمين للمشاركة الكاملة كأعضاء عاملين فى المجتمع (Tavers, P.3661) ، وما سبق يدعو إلى اتباع مداخل غير نظرية فى تعليم الرياضيات ، أى مداخل تبني على الممارسة والخبرة الشخصية ، وليس على النظريات الشكلية . وهذا يمثل حجر الأساس فى خلفيتنا النظرية المقترحة .
بعض المسلمات الأساسية
تمثل الأسس التى يبنى عليها أو تطور فى ضوئها الرياضيات المدرسية – ومن ثم البحث التربوى – فى المستقبل . وأهم هذه المسلمات كما يلي :
1- تعد الرياضيات أحد المجالات المعرفية القائمة . ومن ثم فلا يمكن النظر إليها بمعزل عن التوجهات المعرفية المعاصرة والمستقبلية فى العلم ، والتى يمكن وصفها بالتعقد ز وتشير بوجه خاص إلي النظرة عبر المعرفية (النظرية العامة للإتساق ، السيبرناطقيا ... وهكذا) وإلي تجاوز النظرة النيوتونية Newtonian (وجود قوانين بسيطة تحكم الكون) ورفض المدخل الاختزالي عموماً (التعامل مع أمور جزئية فى انفصال عن أصولها أو الكليات التى تنتمى إليها ). هذا ، وينبغي أن يؤخذ فى الاعتبار فى هذا السياق النمو المتسارع في المعرفة الانسانية ، ولتحام المعرفة وتطبيقاتها .
2- يجب أن يواكب التعليم التطورات المعرفية الحادثة ، حيث يتوقع اختفاء الفروق بين ممارسات المواطنين العاديين (من المتعلمين علي الأقل) وبين سلوك ومناشط الباحثين . ويتطلب ذلك تناول المعرفة بصورة متكاملة ، والتركيز على حل المشكلات ، وتجنب فكر التبسيط (أو الاختزال كما أشرنا) والخطية . وهذا بدوره لن يتحقق إلا باتباع طرق غير تقليدية فى التدريس (التعلم الزاتى ، العمل الجماعى ، الحوار ، العصف الذهني ... الخ ) واحداث تغيرات جذرية فى أساليب وأدوات التقويم.
وهنا يجب التأكيد على نقطتين ، الأولى أن تطبيقات المعرفة يتوقع أن تشكل جانباً محورياً فى المنهج ، ويمكن ترجمة ذلك فى أن النمذجة ستصبح جزءاً أساسياً من مناهج الرياضيات فى جميع المراحل التعليمية ، والثانية : أن نقد المعرفة القائمة سيصبح عملية مستمرة (وهى تقود إلي الابداع).
3- توجد حاجة إلى تطوير "رياضيات جديدة" ، وذلك لتمثيل "سلوك الاتساق" ، وذلك مثل نظرية الفوضي chaos theory ونظرية الكارثو catastrophe theory .
ونحن نعتبر أن الحد الأدنى لما ينبغي التأكيد عليه أن يكون الطلاب على وعى بالمسلمات المتضمنة وحدودها (مثلا في المعادلات والعلاقات الخطية).
4- لا يكون الفكر محكوماً بالمنطق ، وانما الأقرب إلى الصحة أن يكون المنطق محكوماً بالفكر . وجاء ذلك نتيجة لنظرية جودل Gödel عن عدم التقريرية undecidability فى اثبات صحة النظم الشكلية المعقدة (انظر : مينا ، 1994، ص 16) وسقوط الوضعية المنطقية بما تتضمنه من حيادية واستناد إلي الضبط التجريبي ، واحلال بوبر Popper لمحك القابلية للبطلان محل القابلية للتحقق عند تناول النظريات العلمية . ولقد ترتب على ذلك عدة نتائج منها : النظر إلي الاستقراء والاستدلال كأساليب متكاملة من التفكير، وأنه لا يوجد وصف وحيد لأى نسق (لأنه يعتمد على الملاحظ) ، ولقد أصبحت "الموضوعية" موضعاً للتساؤل ، كما أنه يمكن إعادة بناء تركيب / تشكيل مكونات النسق بعدة طرق مختلفة.
5- يعد استشراق المستقبل جزءاً أساسياً من المعرفة . وعلى ذلك ، فإن بناء السيناريوهات ، ز"التنبؤ المشروط" ، و"النمذجة والمحاكاة " ، يجب أن تصبح جزءاً من آى برنامج فى آى مرحلة تعليمية .
6- يفترض أن يبنى تعليم المستقبل على أساس وجود ذكاوات متعددة ، مما يتطلب وجود مدى واسع من الاختبارات فى محتوى الدراسة ، والمرونة فى تنظيمها ، والنظر فى مجالات المعرفة المختلفة باعتبارها ذات أهمية متساوية".
7- يتوقف تغيير مناهج التعليم على العديد من العوامل المتداخلة فى ضوء النظرة النسقية ، سواء كانت تعليمية ، مجتمعية ، إقليمية ، إنسانية ، وبالرغم من أن العوامل المجتمعية تعد عوامل حاكمة ، فإنه يوجد دور متزايد للعوامل المتصلة بالثقافات الإقليمية والانسانية ، وذلك بالنظر إلي عملية" الكوكبة" النامية حالياً .
8- إمكانية إدخال تعديلات على نظريات الصدق الرياضي لتفادى أوجه النقد التي توجه إلي كل منها ، وبحيث تصبح مواكبة للتغيرات العلمية المعاصرة .
وتتمثل أهم التعديلات المقترحة والسياقات التي تذكر فيها فيما يلي (Mina , Nov. 2000) :
أ- يمكن توسيع نطاق "الواقع" ليشمل "الواقعية الافتراضية " virtual reality ومضمون "الافتراضات الشرطية" ، وهى لا تكون قاصرة على الواقع الفيزيقى (مما أدى إلي رفض النظرية الواقعية فى الصدق الرياضي حيث لا يوجد ما يقابل اللانهاية في البيئة الخارجية ، وكذا ما يتعلق بالهندسات الا إقليدية).
ب-يمكن تفسير السلوك الإنساني بصورة أسهل إذا افترضنا أن العقل ينشئ نماذج عقلية للواقع ، أكثر من افتراض وجود "منطق عقلى" ( وتجنبنا بذلك اعتماد النظرية المثالية علي مسلمات ميتافيزيقية أو غلمضة) .
ت-الاتساق (النظم) الرياضية تكون مفتوحة ، حيث تتأثر باتساقات أخري – بصورة متبادلة ، وتحدث تغيرات فى مكوناتها ( وبذلك يمكن تجنب النقد المتضمن في نظرية جودل ).
وتجدر الاشارة إلي أن قبول هذه التعديلات المقترحة ، يؤدى إلي تجاوز الأفكار التي تتعلق بوجود موضع متفوق للرياضيات علي مجالات المعرفة الأخري (حيث تتحرر من قيود الارتباط بالعلم الفيزيقي ) ، ومما يطبع الرياضيات عامة "باليقينية" ( حيث انها تتمثل في دراسة النظم الشكلية وأن عباراتها مشتقة بواسطة المنطق الشكلي) .
كلمة ختامية :
قد تكون هذه الورقة قد قدمت طريقة "مقبولة" ، يمكن أن تمهد لأن تأخذ التغيرات فى الأنموذجات الأساسية طريقها في البحث التربوي وفى التطبيق ، وأنها قد كشفت الحاجة إلي إدخال تغيرات أساسية فى مفاهيم "الواقع" أو الأشياء العقلية و "النظم الرياضية " ، وانها قد حاولت النظر الى "الصدق الرياضي" أو "العلم" بطريقة متكاملة ، كما أنها أيضاً قد أعلت من شأن المداخل غير النظرية ، إلا أنه مع ذلك تبقى عدد من المحددات الأساسية فى هذه الورقة ، يتلخص أهمها فى أنها لم تقدم بعد الحل السعيد لقضية الصدق الرياضي (حيث يوجد طريق طويل لبلوغه ) كما أن تطبيق نتائج الدراسات والبحوث بشأن المناهج المتكاملة والمداخل غير النظرية في تعليم الرياضيات ليست من العمليات السهلة (وان كانت ضرورية) . إنها تتطلب ليس فقط إجراء التغيير فى المناهج وإنما تغيير فى ذهنية المعلمين والمربين والباحثين والأباء و "الرأى العام" فى مجمله.
ومع ذلك فإن الورقة الحالية انما تمثل – في مجملها – دعوة إلى إثارة الحوار والنقاش حول البحث التربوي في تعليم الرياضيات وفيما يتصل بهذا التعليم من قضايا.
المراجع :
فايز مراد مينا (1994). قضايا فى تعليم وتعلم الرياضيات ، مع اشارة خاصة للعالم العربي ، الطبعة الثانية . القاهرة : مكتبة الأنجلو المصرية .
(أكتوبر 2000) . "منهجية التعقد واستشراق المستقبل" ، كراسات مصر 2020 ، 4. القاهرة : مكتبة الأنجلو المصرية .
Curry,Haskell B. (1951). Outlines of Formalist Philosophy of Mathematics. Amsterdam : North Holland Publishing Company.
Mina, Fayez M. (November 2000). “Theorizing for Non theoretical Approaches to Mathematics Education”. In : Alan Rogerson (Ed.) , Proceeding of the International Conference on “Mathematics for living”, Amman , Jourdan , November 18-23, 2000 (The keynote speech of the conference ) , pp. 6-10
Ormell , C. (Ed.) (1992) , New Thinking about the Nature of Mathematics. Norwich : MAG-EDU , University of East Anglia.
Rogerson , A. (1986). “The Mathematics in Society Project: A New Conception of Mathematics “ , INT. J. EDUC. SCI. TECHNOL.,17(5), pp. 611-616
Romberg, T.A.(1994) . “Mathematics: Primary School Programs”. In : Toresten Husen and T. Neville Postlethwaite (Eds.), The International Encyclopedia of Education , Second edition (pp. 3655-3661). Oxford: Pergamon Press.
Travers, K.(1994). “Mathematics: Secondary School Programs” In: Husen and Postlethwaite (Eds.) ibid (pp.3661-3668).